استعراب بلاد المغرب أو استعراب شمال إفريقيا هو مصطلح ثقافي لغوي يُشيرُ إلى التأثير الديموغرافي والديني والثقافي واللغوي الذي عرفته شمال إفريقيا نتيجة الفتح الإسلامي العربي، وقد سماه المؤرخون واللغويون بالتعريب أو الاستعراب؛ لكونه أدى إلى تغييرٍ ثقافي هوياتي واسع النطاق، نتج عن ظهور مفهوم المغرب العربي الحالي.
ساهم في عملية الاستعراب، عدة عوامل، أبرزها: توافد القبائل العربية بهجرات كثيفة، عبر مراحل متفرقة تاريخيا، واستقرارهم في شمال إفريقيا، حيث اختلطوا مع أهل البلاد بحماسة كبيرة، تحت راية الإسلام، فكان نتاج هذا نشر الثقافة العربية وحضارتها.
يعلق إيميل فيليكس جوتييه على ذلك بقوله:
"ما زالت النتائج التي وصل إليها العرب في فتحهم الشمال الإفريقي تُدهشنا إلى الآن. لقد عُرّب المغرب إلى حدٍّ كبير، وتحول إلى الإسلام تحولًا تامًا عميقًا، وهذه نتيجة تدعو إلى الإعجاب، ما في ذلك شك".[1]
محتويات المقالة:
قبل الفتح الإسلامي:
تبدأ هذه المرحلة مع بداية الفتح الإسلامي لبلاد المغرب مع عقبة بن نافع سنة (640م)، ثم مع موسى بن نصير (711م). وقد تميزت الحملات العربية أنذاك بمرافقة النساء والأطفال والعلماء والتجار في الخطوط الخلفية للجيش، حيث كانت نية العرب، تأسيس مدينة في البلاد لإيواء الجند العرب وعائلاتهم ولتكون كقاعدة عسكرية تنطلق منها الجيوش للمحافظة على المناطق التي ثم فتحها، فأسس عقبة القيروان، تنفيذًا للسياسة الإسلامية التي كانت متبعة في عصر الخلفاء الراشدين والتي تتلخص في إقامة المدن الإسلامية في البلاد المفتوحة، وقال في هذا الدكتور مصطفى أبو ضيف أحمد:
" لما ولى معاوية بن أبي سفيان عقبة بن نافع الفهري ولاية إفريقية فقد رسم لنفسه برنامجا للعمل يرمي إلى تحقيق أهداف أبعد من أهداف سابقيه وتتلخص خطته في تثبيت أقدام العرب في المغرب وتأسيس قاعدة عسكرية بافريقية من أجل تحقيق نشر الاسلام بها وتعريب البلاد ".[9]
وتم تخطيط القيروان حسب الطريقة التقليدية لبناء المدن العربية، منذ بناء الكوفة والبصرة والفسطاط، بدًاية ببناء المسجد الجامع ودار الإمارة ثُمِّ قسمت الأرض المحيطة بهما على القبائل العربية والناس لبناء الدور والمساكن، اذ كانوا يفردون كل قبيلة أو بطن من بطون الفاتحين بناحية معينة من التقسيم لإنشاء دور مساكنهم. فنزل قوم من قبيلة فهر العربية بالجهة الشمالية من الجامع وبنوا بها المساكن واتخذوا حولها بعض الأجنة. وفهر بطن من قريش قوم عقبة بن نافع ورهطة، وعرف هذا الحي بمنازل الفهريين .[9]
أما أولئك الذين جاءوا من المدينة، أي الأنصار، ورجال القبائل الآخرون الذي ينتمون إلى عشائر، خولان وغفار، وبلي ومعافر وحضرموت، ومراد، ولخم فقد اختطوا منازلهم في الأماكن المجاورة ولقد اتخذت الكثير من المحلات والساحات والطرق أسماء هذه العشائر، مثال ذلك رحبة القريشيين ورحبة الأنصار، ورحبة بني دراج، ودرب الهذلي، وحارة يحصب.[10]
وتحدث ابن الرقيق القيرواني عن استقرار العرب في بلاد المغرب مع مطلع الفتوحات العربية حيث جاء في كتاب تاريخ إفريقية والمغرب ص 20:
"فالعنصر العربي دخل بلاد المغرب في صورة جيوش فاتحة، وقد استقر رجال هذه الجيوش في نواحي المغرب كله بعد إتمام الفتح، ولحقت بهم جماعات أخرى من الجند والمهاجرين العرب مع استمرار حركة الفتح، وكانت نتيجة ذلك قيام مجتمعات عربية صغيرة معظمهم في المدن والمعسكرات، ومن هذه المراكز بدأوا ينتشرون في نواحى البلاد".[11]
ويورد الحسن الوزان (ليون الإفريقي)، حول استقرار العرب الفاتحين:
"وأسس (عقبة) مدينة القيروان على بعد نحو 120 ميلًا من قرطاج وأمر القواد العسكريين والمدنيين الذين أقاموا معه... وعندما أمن العرب أصبحوا مواطنين بهذه البلاد ممتزجين بالأفارقة".[12]
وإستمر تدفق العربي إلى بلاد المغرب للإقامة فيه، واتخاده وطنًا ومستقرًا، فترة الدولة الأموية، في حقبة موسى بن نصير لا سيما بعد بسط السيطرة على شمال إفريقيا وفتح الأندلس، فكان المغرب منطلق القوافل الراغبة في العبور للأندلس. وقد فصلت المصادر التاريخية في الهجرات العربية التي تمت للأندلس، فنجد المقري التلمساني يذكر في كتابه نفح الطيب ج1، ص290:[13]
"واعلم أنه لما استقر قدم أهل الإسلام بالأندلس وتتام فتحها صرف أهل الشام وغيرهم من العرب هممهم إلى الحلول بها، فنزل بها من العرب وساداتهم جماعة أورثوها أعقابهم إلى أن كان من أمرهم ما كان".[14]
كما تجمع المصادر إلى أن العرب دخلوا الأندلس على موجات متتابعة وانتشروا في أقاليمها المختلفة انتشارًا متغلغلًا، وخاصةً المناطق الخصبة التي تفيض بالخيرات، وكانوا يمثلون أكثر القبائل العربية المعروفة في المشرق العدنانية منها واليمنية (القحطانية) إلا أن اليمنية - كما يقول المقري - "هم الأكثر إلا ما كان من خلفاء بني أمية"، وأول طالعة من العرب دخلت الأندلس طالعة موسى بن نصير في رجب (94هـ)، وكانت تتألف من ثمانية عشر ألفًا من وجوه العرب والموالى وعرفاء البربر يقول صاحب مخطوط فتح الأندلس من تحقيق لويس مولينا [15] "أن موسى دخل الأندلس ومعه ثمانية عشر ألفًا من قريش والعرب ووجوه الناس"، ثم طالعه الحر بن عبد الرحمن الثقفي ثالث الولاة - في ذي الحجة (97هـ) إذ قدم واليًّا ومعه أربعمائة رجل من إفريقية. وكان أغلب عرب هاتين الطالعتين من اليمنيين، وسموا بالبلديين، ثم تأتى طالعة بلج بن بشر القشيري في سنة(124هـ) ، وقد اختلفت المراجع حول عدد الفرسان العرب فيها فنجد ابن عذارى في الجزء الأول من تاريخه يذكر عدد الشاميين في هذا الجيش وهم 12 ألفًا من الفرسان، أما ابن حيان فيجعل عدة الجيش 70.000، بينما يذكر ابن قوطية أن عدده كان 30 ألفًا وكان أغلبهم من العرب القيسيين.[16]
وتشير الأرقام إلى أن عدد الجنود الذين دخلوا المغرب في العصر الأموي نحو 70 ألف جندي، 40 ألفا منهم دخلت مع حسان بن النعمان الغساني إلى أفريقية سنة(74هـ / 694م)، و30 ألفًا دخلت مع كلثوم بن عياض(124هـ /740م) .لكن بالرغم من هذا ظل الحضور العربي في هاته الحقبة في بلاد المغرب قليلا، لاسيما أن أغلب العرب كان يعبر للأندلس للاستقرار فيها، ولم تتغير الأوضاع إلى بعد قدوم الفاطميون والأدارسة بالمغرب.[17]
مابعد الفتح الإسلامي:
إن شمال إفريقيا في عصر الدولة الأموية عرفت عدة حروب ووقائع كان لها أثر كبير على التكوين الديموغرافي للبلاد، وكان من نتاج هذا تقلص الحضور البربري الكبير في بلاد المغرب، ومن أهم هاته الحروب نخص بالذكر معركة القرن والأصنام التي كانت خسائرها كبيرة في صفوف البربر وغيرهم من الخوارج، كما أجمع المؤرخون إذ تعد المعركتين سالفه، من المعارك الطاحنة التي دارت بين العرب والبربر ، بعد خيانة موقعة الاشراف، فلما سمع الخليفة هشام بن عبد الملك خيانة البربر وتمردهم عين حنظلة بن صفوان الكلبي واليا على مصر وإفريقية وهذا الأخير كان قائدا شجاعا فارسا مغوارا.
يقول شهاب الدين النويري عن واقعة تعيين حنظلة واليا من طرف الخليف هشام في كتابه نهاية الأرب في فنون الأدب، الجزء 11، ص 33 مانصه :[18]
" ولما بلغ هشام بن عبد الملك ذلك، بعث إلى إفريقية حنظلة بن صفوان الكلبي ، وكان عامله على مصر ولاه عليها في سنة تسع عشرة ومائة، فأقام بها إلى أن بعثه إلى إفريقية. فقدمها في شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة ".
بعد تولي حنظلة علم زعماء البربر الخوارج ، وهما عكاشة الصفري وعبد الواحد بن يزيد الهواري، بهذا قرروا قتله هو الأخر، بمباغتته بجيش من البربر لم يرى مثله في إفريقية ولا أكثر منه ويقول عن هذا المترجم أعلاه النويري في نفس المرجع :
" فلم يمكث بالقيروان إلا يسيرا حتى زحف إليه عكاشة الصفري الخارجي في جمع عظيم من البربر، لم ير أهل إفريقية مثله ولا أكثر منه...، وزحف إلى حنظلة أيضا عبد الواحد بن يزيد الهواري في عدد عظيم وكانا قد افترقا من الزاب : فأخذ عكاشة على طريق مجانة، فنزل القرن، وأخذ عبد الواحد على طريق الجبال فنزل طبيناس ، وعلى مقدمته أبو قرة المغيلي " .[18]
فلما علم حنظلة بتوجه الجيش إليه قرر مهاجمة عكاشة وجيشه أولا ثم مواجهة عبد الواحد بن يزيد الهواري كي لا يكثر عليه الجمع لعظمة و كثرة جيشهم ، وفي هذا يضيف النويري :
" فرأى حنظلة أن يعجل قتال عكاشة قبل أن يجتمعا عليه ، فزحف إليه بجماعة أهل القيروان. والتقوا بالقرن وكان بينهم قتال شديد فني فيه خلق كثير وهزم الله عكاشة ومن معه، وقتل من البربر ما لا يحصى كثرة ".
وبعد قتل عكاشة وجيشه قرر حنظلة الرجوع للقيروان قبل هجوم عبد الواحد بن يزيد الهواري عليها وكان جيش عبد الواحد كبيرا جدا يضم أكثر من 300 ألف مقاتل من البربر الخوارج، ويقول في هذا ابن الأثيرالجزري في كتابه الكامل في التاريخ المجلد الرابع ، ص229 ، مانصه :[19]
" وسار عبد الواحد فنزل على ثلاثة أميال من القيروان بموضع يعرف بالأصنام، وقد اجتمع . معه ثلاثمائة ألف مقاتل، فحشد حنظلة كل من بالقيروان وفرق فيهم السلاح والمال، فكثر جمعه".
وعن وقائع المعركة الطرفين يقول :
" فلما دنا الخوارج مع عبد الواحد خرج إليهم حنظلة من القيروان واصطفوا للقتال، وقام العلماء في أهل القيروان يحثونهم على الجهاد وقتال الخوارج ويذكرونهم ما يفعلونه بالنساء من السبي... ، فكسر الناس أجفان سيوفهم، وخرج إليهم نساؤهم يحرضنهم، فحمي الناس وحملوا على الخوارج حملة واحدة وثبت بعضهم لبعض، فاشتد اللزام وكثر الزحام وصبر الفريقان، ثم إن الله تعالى هزم الخوارج والبربر ونصر العرب، وكثر القتل في البربر وتبعوهم إلى جلولاء يقتلون، ولم يعلموا أن عبد الواحد قد قتل حتى حمل رأسه إلى حنظلة، فخر الناس الله سجداً ." [19]
وقيل في حق المعركة هذه كما أجمع المؤرخون وأهل العصر بالتواتر : " لم يقتل بالمغرب أكثر من هذه القتلة، فإن حنظلة أمر بإحصاء القتلى، فعجز الناس عن ذالك ". وقال إبن عذاري المراكشي في كتابه البيان المغرب في أخبار المغرب [20] نقلا عن إبن عبد الحكم [21] والنويري وإبن خلدون [22] والرقيق القيرواني :" وقيل ما علم في الأرض مقتلة كانت أعظم منها " وروى أن الليث بن سعد كان يقول : « ما غزوة كنت أحب ان اشهدها بعد غزوة بدر أحب إلى من غزوة القرن والاصنام ».[23]
وكان لهذا الإنتصار بمتابة إعادة الإعتبار وحافز لنزوح العرب لشمال إفريقيا، بعدما أعادو قوتهم في المنطقة. فبعد ضعف وإنهيار الدولة الأموية، ظهرت دويلات عربية في المنطقة ، كالأغالبة في الجزائر وتونس و الأدارسة في المغرب ، ثم بعدهم الخلافة الفاطمية التي شملت مناطق واسعة في شمال إفريقيا وكان لها دور كبير في تعريب المنطقة.
الدولة الإدريسية:
لقد عمل الأدارسة بعد توليهم الحكم في المغرب على إستقطاب وجلب العرب، حيث أكمل إدريس الثاني بناء مدينة فاس، لتكون اول مدينة عربية إسلامية في المنطقة و لتنافس مدينة القيروان سابقا، وهذا ما كان فقد أصبحت فاس منارة العلم في المغرب الإسلامي ، ويذكر الدكتور أبو ضيف في كتابه " أثر القبائل العربية.. " ، ص304 :
"واذا كانت فترة حكم إدريس الأول تميزت بالعمل على نشر الاسلام بين القبائل البربرية، فإن أهم ما ميز فترة حكم إدريس الثاني الأصغر هو إقامته مدينة فاس التي تحولت الى منطقة ضغط منخفض تجذب إليها تيارات متعددة من القبائل العربية سواء أتت من الأندلس أو من القيروان وافريقية . " [24]
فالامام الادريسي العربي كان غريبا وحيدا في محيطه الجديد، بالرغم من وجود بعض العناصر العربية القليلة التي كانت تحيط به، مثل راشد الكناني، وأبو خالد يزيد بن إلياس العبدي . وبعض أهله مثل أخيه سليمان الذي استقل أبناؤه بالمغرب الأوسط وابن عمه داود بن القاسم ابن اسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. إلا أن هؤلاء كانوا قلة قليلة لم تستطع أن تغير من طبيعة الاحساس بالغربة.
لذلك يروي صاحب روض القرطاس (أبي زرع) " أن ادريس الثاني أقام بقية سنة 188هـ التي ولى فيها يعطي الأموال ويصل الوفود ويستميل الرؤساء والأشياخ فانهالت عليه في العام التالي 189هـ، وفود العرب من بلاد افريقية وبلاد الأندلس في نحو الخمسمائة فارس من القيسية والأزد ومدلج وبني يحصب والصدف وغيرهم من القبائل اليمنية الجنوبية. فسر ادريس بوفادتهم وأجزل صلاتهم وقربهم ورفع منازلهم وجعلهم بطانته دون البربر فاعتز بهم لأنه كان فريدا بين البربر ".
وبدء ادريس الثاني بتشكيل حكومته من زعماء القبائل العربية الوافدة فاستوزر عمير بن مصعب الأزدي، وكان من فرسان العرب وسادتها، ولأبيه مصعب مآثر بافريقية والأندلس. وينسبه صاحب مشاهير أعيان فاس بقوله، «وهو عمير بن مصعب بن خالد بن هرثمة بن الأمير يزيد بن الأمير المهلب بن أبي صفرة».
كما عين عامر بن محمد بن سعيد القيسي من عرب قيس عيلان، قاضيا، وكان رجلا صالحا ورعا فقيا سمع من مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي السني، وسفيان الثوري وهـو فقيه ومحـدث مالكي شهير توفي أو 97هـ / 161م. وروى عنهما كثيرا، ثم خرج الى الأندلس برسم الجهاد، ثم جاز الى العدوة فوفد منها على ادريس فيمن وفد عليه من العرب.[24]
أما خطة الكتابة فقد أسندها إلى أبي الحسن عبد الله الخزرجي الأنصاري وهو الذي تولى كتابة العقد الخاص بشراء أرض مدينة فاس من أصحابها من القبائل البربرية.
ويبدو أن ادريس الثاني أسند خطة الصلاة الى بني حدور الخزرجيين إذ يروي صاحب مشاهير أعيان فاس " ومنهم بيت بني حدور الخزرجيين، بيت فخر قديم وفقه، يروى أن جدهم وفد من الشرق على .. ادريس بفاس، وهو فارس عربي خزرجي من الأنصار، منهم الفقيه الصالح موسى بن محمد ابن موسى بن حدور، أم بجامع القرويين في الصلوات الخمس نيابة، وهو من أهل العلم والصلاح".[24]
ولكي يرغب ادريس الثاني أتباعه من العرب والبربر في البناء وتعمير المدينة أعلن بينهم من ابتنى موضعا وغرسه قبل تمام السور بالبناء فهو له هبة ابتغاء وجه الله تعالى، فأسرع الناس بإبناء الديار وافتراس الثمار، وكثرت العمارة فكان الرجل يختط موضع منزله وبنيانه وبستانه من الشعراء ثم يقطع منه الخشب فيبني به لا يحتاج الى خشب من مكان آخر.
فلما فرغ ادريس الثاني من بناء المدينة وأدار السور حولها وترتيب الأبواب في مدة تتراوح ما بين ثلاثة أو أربعة سنوات، عمل على استقرار القبائل العربية بها فأنزل كل قبيلة بناحية من نواحيها فنزلت العرب الفيسية من باب افريقية الى باب الحديد من أبواب عدوة القرويين، ونزلت الأزد بجوارهم، ونزل اليحصبيون بجوار القيسية من الجهة الأخرى .وبجانب القبائل العربية استقرت القبائل البربرية مثل صنهاجة ولواته ومصمودة وكذلك خلق كثير من اليهود، فأنزلهم ادريس الثاني بناحية أغلان الى باب حصن سعدون وفرض عليهم الجزية فكان مبلغ جزيتهم في كل سنة ثلاثين ألف دينار.
فأصبحت فاس في هذه الفترة، كما يقول وليام مارسيه، قبلة للتعريب. حيث اختيرت اللغة العربية للتواصل اليومي والتعبد والإدارة والتعليم و أقبل البربر على تعلمها؛ إذ لم تفصل إفريقيا الشمالية بين الدين واللغة، كما لاحظ ذلك المؤرخ الفرنسي لويس برونو، على خلافي الأمصار الأخرى. وقد تعززت مكانة العربية في فاس بقدوم مجموعة من الأمير القيروانية الذين قدر عددهم بعض المؤرخين ب 300 أسرة، بسبب الاضطرابات التي عرفتها القيروان أيام حكم زيادِ الله الأغلبي (201-223هـ). [25]
ويروي صاحب الروض القرطاس أنه في خلال ذلك الوقت « وفد على ادريس الثاني في تلك الأيام جماعة من الناس من بلاد العراق فأنزلهم بناحية عين علوي»، ويرجح الباحثين أنه ربما كان هؤلاء هم الثلاثمائة بيت من أهل القيروان الذين أسكنهم ادريس معه فأعطوا اسمهم لهذا الجزء من المدينة أي عدوة القرويين.[24]
ويذكر صاحب كتاب قبائل المغرب ، عبد الوهاب بن منصور واصفا حقبة الأدارسة :
"كما سارت البلاد المغربية على عهد الأدارسة في طريق التعريب ، وذلك بوفادة القبائل العربية على المغرب للاقامة أو للعبور الى الأندلس وثم تنظيم الحكومة على أساس عربي ، وإنشاء مدن ذات طابع عربي ، وبناء المساجد والمدارس والمعاهد وترتيب الفقهاء والعلماء بها لتعليم القرآن وأحكام الدين وقواعد اللغة العربية .... ، فكان ذلك بداية لنشوء أدب عربى مغربي".[26]
ويذكر أندريه كلو في كتابه "هارون الرشيد ولعبة الأمم" :
" حرص إدريس الأول على بناء عاصمة تضاهي أو تنافس طحريت والقيروان ، وقد وقع اختياره على مدينة فاس،... ثم جاء بعده ابنه إدريس الثاني الذي سك العملة واستمر على خطى أبيه ، فنقل مدينة فاس إلى الضفة الأخرى لمجرى النهر ، وفي أعلى الضفة شيد جامع الشريف إلى جانب قصره...،وفي عام 815م وبعد سقوط الانتفاضة ضد الأمويين طردت ثمانية آلاف عائلة عربية من إسبانيا وجاءت تسكن فاس ، وقد أطلق على المنطقة التي أقاموا فيها اسم حي الاندلس ولا زالت باقية لحد الآن. " [27]
وإلى جانب ما سلف من الأحذاث الهامة التي عرفتها حقبة الأدارسة وساهمت بشكل مباشر في تعريب المغرب، تفرق أبناء إدريس الثاني في مناطق المغرب، وأدى ذلك إلى ظهور مراكز حضرية صغرى أصبحت مرکز جذب الجماعات اندلسية كالبصرة وغيرها. كما أدى هذا التقسيم إلى توزيع السلالة الادريسية و العنصر العربي على مختلف أنحاء النفوذ الإدريسي كسبتة وطنجة وأصيلة والبصرة وغيرها.
وتشير المصادر إلى وجود جالية أندلسية كبيرة من أهالي قلشانة بسبتة، من منطقة شريس، هاجرت إليها واستوطنتها أيام الجذب الذي حل بالأندلس ومن أهم الأسر التي استوطنتها أسرة القاضي عياض، وازداد هذا الحضور العربي الإدريسي بعد انجلاء أغلبهم عن فاس بعد ملاحقة موسى بن أبي العافية لهم. [25]
الدولة الرستمية:
الرستميون أو بنو رستم سلالة حاكمة فارسية، تنتمي إلى مذهب الإباضية حكمت في بلاد المغرب الأوسط بين 776 و909م، مقرها كان مدينة تاهرت أو تيهرت وهي حاليا مدينة تيارت في الجزائر.
لقد ساهمت الدولة الرستمية ولو بشكل نسبي في تعريب بلادهم حيث أقنعوا بعض القبائل العربية بمبايعتهم، والإستقرار في دولتهم. فبعدما إستكملت تاهرت بمرافقها، ومرابعها، وأسواقها، وأصبحت معقلاً عمرانيا وسياسياً وحضاريا وتوطدت أسس الدولة وأركانها، وترسخت دعائمها وقواعدها، كحاضرة وقاعدة للدولة، استقطبت كثيرا من القبائل العربية حيث أبيح لهم أن يبنوا المساكن فاختطوا وبنوا وقامت فيها تجارة نشطة، تعتمد على موانيء عديدة أهمها : ميناء مرسی فروخ ، و وميناء مرسى تنس مستانم، وميناء مرسى وهران.
والجدير بالإشارة أن اليعقوبي والمقدسي وابن حوقل والبكري وصاحب كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار وياقوت الحموي ذكروا معلومات مفيدة عن العناصر والأقوام والقبائل التي كونت كيانها بما فيهم العناصر العربية منذ القرن الثالث الهجري وحتى السابع الهجري، أن المدينة تطورت منذ أن اختطها الأباظيون، فأصبحت حاضرة للدولة وقصبة لعديد من المدن والقرى ومركزا من مراكز العلم في العالم الإسلامي. [28]
الخلافة الفاطمية:
نشأت الدولة الفاطمية عام 959م ، وقد اتخذ الفاطميون اللغة العربية لغةً رسمية لدولتهم، إستطاع الفاطميون القضاء على الأغالبة وبسطوا سيطرتهم على مناطق شاسعة في شمال إفريقيا.
وقد عمد الفاطميون منذ توليهم الحكم إلى جلب القبائل العربية، للمنطقة رغم أن جيوشهم كانت تتكون في أغلبها من البربر، فكانت أولى القبائل التي جلبوها من القبائل القيسية من بني هلال وبني سليم ومن معهم من جموع القبائل العربية الأخرى (دريد، والأثبج، ورياح...) للقضاء على بني زيري الصنهاجيين، وكان الفاطميون قد جلبوا القبائل القيسية ومن معهم من جموع القبائل العربية الأخرى من مواطنها في الجزيرة العربية وأسكنوها شرق النيل، ودخلت تلك القبائل في موجات متتالية كانت أولى تلك الموجات المتكونة من بنى هلال وجشم والمعقل كافية لهزيمة والي إفريقية، ومن معه في معركة حيدران التاريخية، واحتلوا القيروان وسوسة ثم ملكوا بلاد قسطينة كلها وغزا عامل بن أبي الغيث منهم زناتة ومغراوة فاستباحهم ورجع.
وبحلول نهاية الغزو ، فقد الزيريون والحماديون معظم أراضيهم ، حيث اقتصروا على شريط ساحلي صغير على ساحل إفريقية. كما قد أجبر الحماديون على دفع جزية سنوية للهلاليين ، و اصبحوا تحت التبعية الهلالية ، وتلى دخول بني هلال وفود موجة بنى سليم وغطفان ( فزارة، ورواحة) والتي استوطن أغلبها في ليبيا.[29]
لم يقتصر جلب الفاطميين للقبائل العربية على القبائل القيسية فقط بل تذكر المصادر أن المستنصر بالله ثامن الخلفاء الفاطميين قام بنشر مرسوم يقضي بأن كل عربي يؤدي دينار واحد يسمح له بالعبور لإفريقيا وإستيطانها.
وذكر ليون الإفريقي في كتابه وصف إفريقيا ص44 :
"نشر المستنصر مرسوم يقضي بأن كل عربي يرغب في الهجرة إلى إفريقيا سيسمح له بذلك، على أن يدفع دينارا واحدا فقط عن نفسه و عن كل فرد من أسرته، و على أن يقسم يمينا بأن يعامل الثائر في إفريقيا معاملة الأعداء. و على أثر ذلك اجتاز البلاد قرابة عشر قبائل، أي نصف سكان جزيرة العرب المقفرة. و كان من بينهم أيضا بعض من أفخاذ قبائل اليمن. و كان عدد الرجال القادرين على حمل السلاح يقارب الخمسين ألفا، باستثناء النساء و الأولاد و المواشي و كان عدد هؤلاء لا يحصى ".[12]
ويقول الهادي روجي إدريس :
"لقد تمكنت الغزوة الهلالية من قلب الجغرافيا البشرية في المغرب الكبير ".[30]
دولة المرابطيين:
في سنة 1070م أسس المرابطون مدينة مراكش، فساهمت بدورها في نشر العربية في منطقة الوسط الغربي. إذ بالرغم من أنها لم تعرف هجرة جماعية أندلسية، فان اتخاذها عاصمة الدولة، جعلها في حاجة إلى مرافق ووظائف اجتماعية وإدارية ودينية، وتزخر المصادر بأسماء العلماء الآفاقين الأندلسيين الذين ارتحلوا إلى مراكش، وشغلوا مناصب سامية في البلاط المرابطي، سواء في دواوين الإنشاء، أو القضاء، أو التدريس، أو الإفتاء، أو أشغال أخرى. لكن يبدو أن العربية، خلال هذه الفترة، كانت حكرا على الحياة الرسمية، والنخبة المثقفة من الفقهاء والعلماء، وعلى ذوي الأصول العربية في حين كان الوضع اللغوي العام للحواضر، هو وجود ازدواجية لغوية عربية وبربرية.[25] مع التسريب البطيء للمعجم العربي إلى اللغة البربرية؛ خاصة فيما يتعلق بأمور الدين، وإقبال الكثير من البربر على تعلم العربية بمستوييها الفصيح والعامي خاصة ممن لهم احتكالاً يومي بالعنصر العربي الذي استقر في هذه الحواضر. مع الإشارة إلى أن أسماء علمية وثقافية كبرى زارت مراكش في هذه الفترة، أو استقرت بها، أمثال الفيلسوف ابن رشد، والطبيب ابن زهر والكاتب ابن عبدون، والشاعر ابن خفاجة. يقول المراكشي صاحب المعجب في هذا الموضوع: " ولم يزل أمير المسلمين من أول إمارته يستدعي أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس، وصرف غايته إلى ذلك، حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك. [25]
ومن أجل نشر العلم والعرفان عمل المرابطون على تأسيس المدارس والمعاهد في كل بقعة ومكان، كما سعوا إلى إعلاء شأن اللغة العربية، وإضفاء صيغتها على كل المؤسسات، ومن المراكز العلمية المغربية التي اشتهرت في عهد المرابطين مدينة " سبتة " السلبية، التي كانت مقرا علميا للعلوم الإسلامية، وكان للعلم فيها سوقا نافذة حيث أخرجت من علماء العدوتين الكثير ما زالت كتب التراجم والطبقات تزخر بهم، كما كانت هناك مراكز علمية "بطنجة" و "سجلماسة" و "أغمات" و "فاس "و "تلمسان"، أما العاصمة مراكش فكانت ملتقى الفقهاء والعلماء على مختلف مشاربهم و مداركهم والذين كانوا يفدون عليها من جميع جهات المغرب والأندلس والقيروان. [25]
دولة الموحدين:
عرفت اللغة العربية إنغراسا حقيقيا في المغرب كلغة ثقافة و حضارة بمجيء الموحدين إلى السلطة، فلكي يبسط هؤلاء سلطتهم على البلاد بكاملها، قاموا بعملية دعائية واسعة باللغة العربية، فاستخدموا البنيات الدينية والاجتماعية القائمة من قبيل المساجد لصلاة الجمعة، والأسواق القراءة الرسائل الموجهة إلى القبائل، والزوايا الدينية لنشر الأخبار وتحرير نسخ منها تبعث إلى كل قبيلة وكل منطقة.
فترسخت السيادة للغة العربية على المستوى الإداري، واستمر استعمالها في الكتابة الإدارية، وتبو دلت بها الرسائل، ونقشت بها النقود، وظلت لغة التعبير في الأعمال المكتوبة عموما، ونظمت بها الأشعار، ودونت بها الكتب الأدبية، والعلمية، ومختلف الإنتاجات الفكرية.[25]
كما أصبحت العربية مؤهلا أساسيا لشغل المناصب والارتباط بسلك الدولة كالوزارة والقضاء والكتابة. حيث نجد إلى جانب طبقة الكتاب الأندلسيين كأبي الحسن بن عياش، و أبي الحكم بن المرخي، وأخيل بن ادريس الرندي وأبو الحسن علي بن زيد الاشبيلي، طبقـة مـن الكتاب المغاربة؛ كالوزير أبي جعفر بن عطية، وأبي القاسم القالمي، و أبي الفضل بن طاهر بن محشرة، و أبي زكرياء يحيى بن أبي عبد الله الفازازي، و أبي زيد عبد الرحمان الفازازي، و أبي حفص بن عبد المومن و الأمير أبو الربيع سليمان، و أبو العلاء ادريس المامون بن الخليفة المنصور. و لا شك أن هذا الأمر أغرى الكثير من البربر بتعلم العربية لتحسين حظوظ الارتقاء الاجتماعي في ذلك العصر. وإزدادت العربية قوة مع استقدام قبائل بني هلال في عهد يعقوب المنصور الموحدي حوالي سنة 584هـ/ 1188م إلى المغرب.[25]
الفترة مابين القرن 11م والقرن 16م:
شملت هذه الفترة أكبر الهجرات العربية لبلاد المغرب، والتي بها ثم تغيير التكوين الديموغرافي لهذه البلاد، فسميت بالموجة الثانية من الفتح العربي، أو ماعرف بالتغريبة الهلالية الكبرى، لكون بني هلال من أكبر القبائل التي هاجرت فيها، وتعرف كذلك بـ "الهجرة القيسية " نسبةً إلى ان أغلب القبائل المهاجرة تندرج تحت الفرع القيسي من العرب العدنانية.[31]
وبالرغم أن بني هلال وبني سليم شكلوا أكبر القبائل المهاجرة إلا أنها ضمت قبائل هوازنية أخرى كجشم وسلول ودهمان والمنتفق وربيعة وخفاجة وسعد وكعب وسواءة وكلاب وقبائل قيسية كفزارة واشجع وعبس وعدوان وفهم وقبائل مضرية كهذيل وقريش وتميموعنزة، وقحطانية كجذام وكندة ومذحج.
قال القلقشندي: إن مصر هي قضاعة و بكل واد جذام، أما بني جرم فقد دخلوا مصر مع بني شيبان في عهد صلاح الدين الايوبي سنة 583 هـ التي سبقتها هجرة غيرت الشمال الافريقي برمته والتي عُرفت بالهجرة الهلالية، والتي ضمت قبائل بنو هلال وحلفائهم من قبائل مضر وربيعة واليمن، والتي بدأت سنة 454 هـ.[30]
وفي نفس السياق يقول ابن خلدون: سارت ... جميع بطون هلال إلى إفريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا أفريقية سنة 443هـ".[32]
وقد صور ابن خلدون انتشار العرب في المغرب قبل تغريبة بني هلال قائلًا: "إن آخر مواطن العرب كانت برقة، وكان فيها بنو قرة بن هلال بن عامر .... ولما أجاز بنو هلال وسليم إلى المغرب خالطوهم في تلك المواطن، ثم ارتحلوا معهم إلى المغرب .... وبقي في مواطنهم لهذا العهد -القرن الرابع عشر الميلادي-".
فقد تميزت هذه الفترة بإنتشار كبير للقبائل العربية في شمال إفريقيا، وإستيطانها لجموع الأراضي في بلاد المغرب حيث يذكر إبن خلدون واصف تغير حال بلاد المغرب:
"وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان لملكهم هذا إلى ما نزل بالعمران".[33]
وهذا ما أكدته عدة مراجع تاريخية وازنة فنجد كتاب: المجتمعات الإسلامية حتى القرن التاسع عشر، الصادر عن جامعة كامبردج لمؤلفه إيرا ام لابيدوس (Ira M. Lapidus)، يقول:
"في القرن الحادي عشر، أدت غزوات البدو الرحل، بنو هلال العرب من الشرق والمرابطين من جنوب المغرب، إلى تغيير الجغرافيا السياسية والدينية والثقافية لشمال إفريقيا وإسبانيا . فقد هزم بنو هلال وبنو سليم القادمون من الجزيرة العربية ومصر، ولايتي الزيريين، والحماديين... كما سيطروا على السهول، واضطر السكان المستقرونيفي تلك مناطق إلى اللجوء للجبال، في وسط وشمال توس ، ولاحقًا في الجزائرو والمغرب ".[34]
وجاء في موسوعة شعوب إفريقيا والشرق الأوسط وهو مؤلف علمي تاريخي مشترك بين عدة دكاترة:
"كان بني هلال اتحاد قبائل عربية كبيرة استقرت في شمال إفريقيا في القرن الحادي عشر، وقد ذهب بني هلال في الأصل إلى شمال إفريقيا قادمين من شبه الجزيرة العربية كجزء من حملة عسكرية أرسلها الحكام الفاطميون للإمبراطورية الإسلامية... ، وكان لهجرة بني هلال إلى شمال إفريقيا آثار طويلة المدى على التنمية الثقافية للمنطقة، حقيقة أن تحدث المغرب وتونس والجزائر العربية وارتباطهم الثقافي الوثيق بالعالم العربي يرجع إلى حدٍ كبير إلى هجرة بني هلال".[35]
وقد وصف مؤلف مشترك آخر صادر عن جامعة كامبردج معنون بـ "أسباب ونتائج الهجرة البشرية: منظور تطوري": " الهجرة الهلالية بأنها من أهم الهجرات في تاريخ شمال إفريقيا حيث ارتبطت بتوسع عربي ثانٍ على يد كل من بني هلال وبني سليم" .[36]
وعليه فإن الهجرة الهلالية في هذه الفترة هي التي لعبت أكبر دور غي تعريب المنطقة كما أسلف المؤرخون، وهذا ما أكده المستشرق البريطاني جون سبنسر ترمنجهام الذي قال في كتابه "الإسلام في إثيوبيا ": " تعريب شمال إفريقيا تم بهجرة قبائل عربية كاملة، وانتشر البدو منها في السهول".[37]
أما المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري، فيذكر في كتابه الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، واصفا تغير حال المغرب في هذه الفترة:
"إلى أواسط المائة الخامسة فدخلت العرب أرض افريقية واستوطنوها بحللهم وخيامهم ثم لما كانت أواخر المئة السادسة في دولة يعقوب المنصور رحمه الله نقل الكثير منهم إلى المغرب الأقصى فاستوطنوه بحللهم وخيامهم كذلك، وصارت أرض المغرب منقسمه بين أمتين أمة العرب أهل اللسان العربي وأمة البربر أهل اللسان البربري بعد أن كانت بلاده خاصة بالبربر لا يشاركهم فيها غيرهم".[38]
ويقدر عدد عرب بني هلال الذين هاجروا في التغريبة الهلالية بما يفوق 200 ألف، كما تجمع المصادر التاريخية، وهو نفس ما جاء في كتاب " إفريقيا: موسوعة التجربة الأمريكية الأفريقية "، الصادر عن جامعة أوكسفورد البريطانية، من تأليف الدكتور كوامي أنتوني أبيا والدكتور هنري لويس جيتس جونيور، الصفحة 360:
"في القرن الحادي عشر، بدأت قبائل بنو هلال وبنو سليم -وهما قبائل بدوية عربية الأصل من الجزيرة العربية- في الهجرة غربًا من مصر العليا إلى الأرض المسماة إفريقية (تونس الحالية وشرق الجزائر). استقروا في المناطق التي تضم الآن ليبيا والجزائر وتونس وبعد ذلك المغرب. ويشير المؤرخون إلى حركة "الهلاليين"، كما عُرفوا إجمالا، على أنها لحظة حاسمة في "تعريب" شمال إفريقيا، وصلت لما يفوق 200 ألف فرد ".[39]
ويقول ابن سعيد الأندلسي واصفا كثرة أعقاب آل منصور بن عكرمة وحدها في إفريقيا:
"إذا نادت العرب: يآلنصور! بأفريقية، يقال: إنها تجتمع في مائة ألف فارس. ولهم هنالك عز وثروة، وتحكم على البلاد والعباد. وهم من صعيد مصر إلى البحر المحيط قد عمروا مسافة نصف المعمورة؛ ولا نعلم في الشرق ولا في الغرب للعرب جمجمة أعظم منها".[40]
ويوضح المؤرخ الناصيري المناطق التي استقر بها عرب التغريبة الهلالية في المغرب أنها شملت منطقة الغرب و منطقة الحوز ،جاء في الإستقصا :
"وَنقل الْمَنْصُور رَحمَه الله بني هِلَال وَبني جشم إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى حِين أَتَوْهُ طائعين وَكَانَ ذَلِك سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَأنْزل قَبيلَة ريَاح من بني هِلَال بِبِلَاد الهبط فِيمَا بَين قصر كتامة الْمَعْرُوف بِالْقصرِ الْكَبِير إِلَى أزغار الْبَسِيط الأفيح هُنَاكَ إِلَى سَاحل الْبَحْر الْأَخْضَر فاستقروا بهَا وطاب لَهُم الْمقَام وَأنزل قبائل جشم بِلَاد تامسنا الْبَسِيط الأفيح مَا بَين سلا ومراكش وَهُوَ أَوسط بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى وأبعدها عَن الثنايا المفضية إِلَى القفار لإحاطة جبل الدَّرن بهَا فَلم ييمموا بعْدهَا قفرا وَلَا أبعدوا رحْلَة وَاعْلَم أَن هذَيْن البسيطين يسميان الْيَوْم فِي عرف عَامَّة أهل الْمغرب بالغرب والحوز فالغرب عبارَة عَن بِلَاد الهبط وأزغار وَمَا فِي حكمهَا والحوز عبارَة عَن بِلَاد تامسنا وَمَا اتَّصل بهَا إِلَى مراكش فَكَانَ لرياح بِلَاد الْمغرب وَكَانَ لجشم بِلَاد الْحَوْز " [38]
أما وليام مارسيه فقدر عدد القبائل الهلالية التي هاجرت بمليون شخص منهم المحاربون والنساء والأطفال والشيوخ.[25]
هجرة بني معقل:
قبائل المعقل لم تدخل المغرب مجتمعة كما هو شأن لبني هلال وإنما توافدت بشكل تدريجي بدأ مع التغريبة الهلالية وإستطاعوا في عهد بني مرين السيطرة على إقليم توات، والتغلغل نحو الجنوب الغربي.
يقول إبن خلدون في الخبر عن دخول المعقل :
" لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بنقار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتهون إلى البحر المحيط، من جانب الغرب وهم ثلاثة بطون ذوي عبيد الله، وذوي منصور، وذوي حسان. فذوي عبيد الله منهم هم المجاورون لبني عامر، ومواطنهم بين تلمسان و تاوريرت في الثل وما يواجهها من القبلة. ومواطن ذوي منصور من تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سجلماسة، وعلى درعة وعلى ما يحاذيها من التل مثل تاري وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر. ومواطن ذوي حسان من درعة إلى البحر المحيط، وينزل شيوخهم في بلد نول قاعدة السوس فيستولون على السوس الأقصى وما إليه، وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين من كدالة ومسوفة ولمتونة ".[41]
فقد عرفت حقبة بني مرين تغير كبير على مستوى التكوين الإجتماعي تميز بهيمنة العرب كما أكد ذالك كتاب، " مجمع تاريخ إفريقيا " الصادر عن منظمة اليونيسكو في الصفحة 89 :
" من أهم التطورات في عهد المرينيين تزايد أهمية العرب في المغرب ، فقد سبق للعرب أن وفدوا للمغرب بعدد كبير في عهد الموحديين وساهموا في تغيير البلاد وطابعها البربري. وقد كانت سياسة بني مرين تجاه العرب يمليها الضعف العددي لأتباعهم من زناتة مقابل العرب ، لذلك رحبوا بدعم العرب لهم ، وهذه الظروف ساهمت في وفود قبائل عربية أخرى وتوسع النطاق العربي في المغرب ، حيث استقر معظمهم في السهول ... وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد ".[42]
بني حسان:
يعتبر ابن خلدون من أوثق المؤرخين عن أخبار عرب المعقل، ومجالاتهم وأيامهم مع زناتة وخلفائهم في المغرب،كونه عاصر فترة دخولهم لبلاد المغرب، وقد عقد في كتابه (العبر ...) فصلا طويلا عن هؤلاء ومنه نجتزئ نصا بارزا :
" وفي أخريات أيام المرينيين، ولا سيما بين 656 و 705هـ، تغلغل بنو حسان جنوبا نحو جنوب المغرب تحت ضغط حملات الجيوش المرينية، ودخلوا في حلف أمير جزولة ثم تغلبوا عليه، وسيطروا على ما في بلاده، وليصبح الطريق سالكا أمامهم حلف نحو الصحراء ".[43]
تغلغلت القبائل الحسانية نحو إقليم السوس إبان ضعف الدولة، وظهور الثوار على أطراف البلاد، كما هو حال ثورة علي بن يحيى الزكندري والتي أفضت إلى تأسيس إمارة مستقلة امتدت من 650هـ/1252م إلى 734هـ/1334م.
وتنقسم قبائل بني حسان إلى البطون التالية :[44]
1/ عبدالرحمن بن حسان جد الرحامنة
2/ دليم بن حسان
3/ حمو بن حسان أبو البرابيش
4/ عبيد الله بن حسان جد اديقب
5/ عمر بن حسان على تقدير وجوده
6/ احمد المعروف بادي بن حسان جد المغافرة
تمكن عرب حسان بمساعدة قبائل عربية أخرى، ( كقبيلة أولاد أبي السباع ، الركيبات، أولاد أحمد بن دامان، أولاد تيدراين الأنصار... إلخ)، [45]من بسط سيطرتهم ونفودهم الكامل على الصحراء الجنوبية، (من المغرب لمالي)، بعد انهيار دولة (أدوكل)، وإنتصارهم بقيادة أولاد الناصر على قبائل صنهاجة بقيادة إمام قبيلة لمثونة ناصر الدين في حرب ضاربة استمرت عقودا واشتهرت باسم (شريبات) أو شريبه الكبرى.[46]
وبعدها انتشرت لهجتهم العربية (الحسانية)، وقد تسربت بسرعة إلى بلاد الصحراء من المغرب لتنبكتو، وأصبحت لهجة أهل الصحراء تسمى على إسمهم باللهجة الحسانية، ولازال نفوذهم مستمر لليوم لاسيما في موريطانيا. [45] وقد تمكن بنو حسان من تأسيس إماراة قوية في المنطقة كإمارة الترارزة و إمارة أولاد إمبارك في بلاد الحوض الشرقية وما والاها جنوبا من بلاد "السودان"و "مالي"، و إمارة البراكنة في جنوب غربي البلاد، إمارة أولاد يحيى بن عثمان في بلاد آدرار في الشمال الغربي.[47]
قيام السعديين:
لقد عرفت الفترة بعد القرن 15م، صعود دول وممالك عربية كبيرة لاسيما أن الجغرافية السكانية في البلاد قد تغيرت وأصبحت كفة البربر، تميل إلى العرب فنجد قيام الدولة السعدية في المغرب وتوسعها في مناطق شاسعة في غرب إفريقيا وبعدها الدولة العلوية الشريفة. كما تحول عمل الدولة في هذه الفترة كلُّه في دائرة العروبة، واشتدت صلة المغرب شعبا و دولة ببلادِ الشرق العربي، وكثرت المكاتبات وتبادل الهدايا بين الملوك. وبلغ الأمر إلى أن شرفاء مكة بايعوا سلطان المغرب. [25]
وصعود السعديين في المغرب إقترن بأوضاع سياسية وفترة ضعف كبيرة في البلاد، فإستغلوا هذه الأوضاع للصعود إلى الحكم لاسيما أنهم كانو مقاتلين وشرفاء وهذا كان دافعا لتقديم قبائل المغرب الولاء لهم، وقد إعتمد السعديين في تحريرهم للبلاد على القبائل العربية بالدرجة الأولى كقبيلة أولاد أبي السباع و قبائل بني هلال و بني معقل ، إلى جانب القبائل البربرية.
فالسعديبن سارو على نهج الأدارسة فكانو يولون للعرب أهمية كبيرة وكانت حكومتهم في غالبها من شخصيات عربية وخاصة الشريفة ، كسيدي عبد الله بن ساسي السباعي وأبناؤه من بعده الذين كانوا بمثابة مستشارين لأبي عبد الله القائم بأمر الله ولخلفه من بعده، ونفس الشيء بالنسبة لسيدي محمد السباعي بعبدة، ولأبي العباس أحمد الفرجي السباعي بدكالة، ولسيدي محمد بن عيسى بن مخلوف العيساوي السباعي بـمكناس.[48]
كما أن السعديين، كانوا يجيشون جنودهم من قبائل العرب الذين أتوا المغرب في عهد المنصور الموحدي فاستقروا في جنوب البلاد . وحشد السعديون من هذه القبائل فرقة من العسكر عرفت باسم عسكر«الوداية». وكانت كتيبة سوس هي النواة الأساسية للجيش النظامي السعدي وكانت تتكون من قبائل عربية وبربرية، وتضم هذه الكتيبة بشكل خاص أولاد جرّار وأولاد مُطاع والشراردة والرحامنة وهْسْكيمة، وفرقة أخرى إسمها «العلوج» هذه الأخيرة كانت تتكون من اجانب.[49] كما كانت هناك كتيبة أخرى إسمها «شراگة»، أي سكان شرق المغرب وكانت تتكون في غالبيتها من قبائل عربية (لاسيما قبائل أشْجع وبني عامر ورِياح... ) إلى جانب أقلية من قبائل البربر. وكان السعديون يعتمدون في جيوشهم على الأندلسيين الفاريبن من بطش الصليبيين أيظا.
هذا بالنسبة للجيش النظامي أما الجيش غير النطامي كان يتكون من عرب الدولة، يقول الدكتور محمد نبيل ملين في كتابه "السلطان الشريف"، ص298 :
"وإلى جانب الجيش النظامي فقد كان السلطان يعتمد على فرق غير نظامية مكوّنة من الفرسان المنحدرين من أبرز القبائل البدوية في البلاد. هذا التقليد أسسه الموحّدون وحافظ عليه المرينيون والوطاسيون والزيدانيون (السعديون). كانت إذن بعض القبائل البدوية المدعوّة بـعرب الدولة تقدم للسلطان عددا من الفرسان مقابل إقطاع أو امتيازات ضريبية لاسيما الإعفاء من النائبة ويعتبر أولاد مطاع و أولا دجرار والشبانات وأولاد بوعزيز وأولاد العَزَفي وأولاد عمران وعبدة والشَيَاظمة والمَنَابهة وسفيان والخُلْط الخ...، أهم فصائل هذا الجيش غير النظامي وتقدّم كلّ من هذه القبائل بين ألف وخمسمائة وتسعة آالف فارس".[50]
واستمرت الهجرات العربية للمغرب في وقت الدولة السعدية، حيث استقرت هذه القبائل بالخصوص في المناطق الصحراوية الجنوبية و السهول. فكان من نتاج هذا تغير طابع المغرب إلى طابع عربي أصيل.
سقوط الاندلس ونزوح القبائل العربية:
يُعتبر المغرب أكبر بُلدان العالم احتضاناً للمُهاجرين الأندلسيين إلى جانب الجزائر وتونس، فقد بدأ في استقبال أَفْوَاجِهِم مُنذ سنة 136هـ المعروفة في التاريخ بسنة بَرْبَاط، مُرورا بواقعة الرّبض وما تَبِعَهَا مِنْ هِجْرَةِ القُرْطُبِيِّينَ إِلى فَاس وتأسيسهم لِعِدْوَة الأندلس، ثم ازداد تدفّق المهاجرين الأندلسيين عَلَى المغرب بعد سُقُوط الحواضر الأندلسية الكبرى كبلنسية وقرطبة وإشبيلية، واستمرّت الهجرة إليه بِشَكْلٍ فردي أو جماعي حتى سُقوط غرناطة وضياع الأندلس بالكامل عام 897هـ/1492م، وظلّ المغرب فاتحا أبوابه أمامهم في السنوات والعُقُود التي تَلَتْ سُقوط غرناطة حتى الجلاء الأخير للمُورِيسكيين عام 1609م. إنَّ هِجْرة الأندلسيين إلى المغرب قديمة، وقد سَمَحَ لهم هَذَا القُدُوم المُبَكِّر أنْ يُصبحوا -مع مُرور الوقت- عناصرَ أصيلة داخل المجتمع المغربي، مُتَمَيِّزِينَ في عدد من المجالات حتى كانت القاعدة أنّه «لا يُستعمَل بَلَدِيّ مَا وُجِدَ أندلُسي». وقد عني المؤرِّخون المغاربة بإحْصاء الأُسَر الأندلسية التي استوطنت بعض مناطق المغرب، منهم: أحمد بن أبي يَعْزَى العرائشي، والفقيه محمد بَرْهُون (ت1241هـ)، والفقيه مُصطفى بن محمد بُوجندار، والشيخ النّسابة عبد الكبير بن هاشم الكتاني، وأبو العباس أحمد الرهوني، وعبد الرّحيم جَبُّور العُدِّي، والفقيه محمد داودو، ومحمد ابن عَزُّوز حَكِيم.
وكان المجتمع الأندلسي في عهد بني الأحمر أخر سلالة عربية حكمت الأندلس، يتكون في غالبيته من العرب حيث قال لسان الدين إبن الخطيب معاصر الحقبة واصفا حال الأندلس :
"وأنسابهم حسبما يظهر من الإسترعات، والبيعات السلطانية والإجازات، عربيةٌ: يكثر فيها القرشي، والفهري، والأموي، والأمي، والأنصاري، والأوسي، والخزرجي، والقحطاني، والحميري، والمخزومي، والتنوخي، والغساني، والأزدي، والقيسي، والمعافري، والكناني، والتميمي، والهذلي، والبكري، والكلابي، والنمري، واليعمري، والمازني، والثقفي، والسلمي، والفزاري، والباهلي، والعبسي، والعنسي، والعذري، والحججي، والضبي، والسكوني، والتيمي، والعبشمي، والمري، والعقيلي، والفهمي، والصريحي، والجزلي، والقشيري، والكلبي، والقضاعي، والأصبحي، والهواري، والرعيني، واليحصبي، والتجيبي، والصدفي، والحضرمي، والحمي، والجذامي، والسلولي، والحكمي، والهمذاني، والمذحجي، والخشني، والبلوي، والجهني، والمزني، والطائي، والغافقي، والأسدي، والأشجعي، والعاملي، والخولاني، والأيادي، والليثي، والخثعمي، والسكسكي، والزبيدي، والتغلبي، والثعلبي، والكلاعي، والدوسي، والحواري، والسلماني، هذا ويرد كثير في شهادتهم، ويقل من ذلك السلماني نسباً، وكالدوسي، والحواري، والزبيدي، ويكثر فيهم، كالأنصاري، والحميدي، والجذامي، والقيسي، والغساني، وكفى بهذا شاهدا على الأصالة، ودليلا على العروبية ".[51]
ويقول صاحب المطرب في تاريخ شرق المغرب الجزء الأول -: " قبائل "چشم" ببلاد تامسنا البسيط الافيح ما بين "سلا" و "مراكش" . ويسمى موقع هذه القبائل "بقسميها" اليوم "الغرب" و "الحوز" فلرياح الغرب ، ولجشم الحوز . ثم اختلطت هذه القبائل بغيرها من القبائل العربية التي وفدت على المغرب من الاندلس ".[52]
ونذكر المعروف من هذه العائلات الاندلسية العربية كالتالي :
- الأندلسي- الشاط ينحدرون من الأنصار (وأشهر أعلامها هو: قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط المترجَم في «الإحاطة»، وقد كان لأفراد هذه العائلة إسهام كبير في الجهاد وقد سجّلت كُتُب التاريخ صُوّرا مُشرقة من بُطولاتهم في هذا المضمار، وأشهر مجاهدي هذا البيت: قاسم الشّاط الأندلسي.
ومنهم عائلات: قَرُّوق– الأشقر – الدّامون- العشيري- الراضي- السعيدي- عَبّود- الشيوة- الدّمغة- الحايك- البرّاق- عيّاد- اللغميش- فِيغُو- الهواس- البرّاج- الشرّاط- كحلون- الهرُّوس- الدّهدوه- عْزيبو- مارصو- المفضّل- سلامة- الأنصاري- الكحّال- زميزم- الطويل- الحداد- الدهري- الزّرْبُوح- الشّلاف- الزّيدي- اعْليلو- حلحول- حمامو- الخيّاط- الزّكاف... إلخ.
- الخصاصي هي عائلة عربية مغربية شريفة أصولها أندلسية يمنية، اشتهرت بالولاية و العلوم و هي تنحذر من غرناطة و تنسب للقائد محمد الخصاصي القائم بأمر السلطان النصري محمد بن يوسف الخامس بن نصر.
دخلت الأسرة الخصاصية للمغرب سنة 1492م بعد سقوط غرناطة عن طريق الولي المجاهد سيدي مسعود الخصاصي الذي تفرع منه أولياء آخرون أشرهم سيدي علي بن عبدالله الخصاصي بتازة و القطب الرباني الولي سيدي قاسم الخصاصي بفاس.[53]
توجد أسر أخرى تحمل اسم الخصاصي تنتمي لقبيلة الأخصاص بسوس و منها ينحدر القائد المدني الخصاصي و الناجم الخصاصي و الشريف سيدي ابراهيم الخصاصي البصير دفين بني بوعياط و هو من أصول قبائل الرقيبات البصيريين و الذين ينتمون للأشراف العلميين.[54]
- العائلات الاندلسية بفاس : بيت ابن الأحمر، وبيت صفيرة، وبيت ابن الحاج السلمي، وبيت الفهري، وبيت العطار، وبيت باسو، وبيت بردلة، وبيت البسة، وبيت السلاوي، وبيت التماو، وبيت تيميرو، وبيت الطرون، وبيت اللب، وبيت اللرول، وبيت المنطرش، وبيت فنجيرو، وبيت الغندوش، وبيت قزمان، وبيت قلمون، وبيت سنكليو، وبيت ميكو، وبيت المريي الحسني، وبيت المركسي، وبيت الندلسي، وبيت الروندة، وبيت الكرديسي، وبيت الكسطلي، وبيت الغزال، وبيت شركسي، وبيت شمتري، وبيت زركلي، وبيت اليدري، وبيت مارشيسي، وبيت بوصلي، وبيت شبلي، وبيت طاهري، وبيت عمري، وبيت دارستي...إلخ. ،كما شيد عرب الأندلس عدة مدن في شمال المغرب، كشفشاون التي أسسها الشريف الإدريسي مولاي علي بن راشد.[55]
يقول د. محمد شعبان عن دور هجرة القبائل الأندلسية لبلاد المغرب أنها ساهمت بشكل كبير في تعريب ما تبقى من المناطق الشمالية المغربية، وإنتشار اللهجة العربية الأندلسية. [25]
استعراب بلاد المغرب من منظور علم الوراثة:
إضافات:
يقول المؤرخ الفرنسي هنري تاكسير في مقال له منشور سنة 1880م، عنوانه "هجرة عربية في شمال إفريقيا "، أن قبائل البربر لم تدخل شمال إفريقيا إلى في حوالي القرن الثاني ميلادي، فقد كانت شمال إفريقيا مأهولة من قبل، بسلسلة من هجرات قديمة إحداها من الجزير العربية". [57]
ويذهب العلماء إلى أنه لا توجد، علاقة بين البربر الحاليين والليبيين القدامى، حتى على مستوى اللغة، ف "ديفيد شيري ، في كتابه سنة 1998م، " الحدود والمجتمع في شمال أفريقيا "، ، يميل بشكل حاسم نحو دراسة فيرغوس ميلار السابقة، التي شككت بشدة في وجود "تماسك" في التواصل اللغوي والاجتماعي بين السكان "الليبيين" قبل الرومان وبين البربر في العصر الحديث. [58]
وتقول د. إليزابيث إيسيتشي من جامعة كامبردج في كتاب عنوانه،" تاريخ المجتمعات الأفريقية حتى عام 1870":
"لقد أصبح الليبيون في التاريخ القديم من البربر في الآونة الأخيرة، حيث يفترض أن اللغات البربرية الحديثة هي سلالة سلالة من الليبيين القدماء. لكن في الحقيقة لايعرف ما إذا كان الليبي القديم مثل البربري الحديث ...". [59]
أما د. جيليان كلارك من جامعة أوكسفورد فيقول في كتابه المعنون، "مونيكا: قديس عادي": "ومن الصعب إثبات وجود صلة بين اللغة الليبية القديمة والبربرية الحديثة". [60]
وتتعدد المراجع العلمية التي تقف على فكرة واحدة في هذا الأمر، كما أن المؤرخيين من العرب والمسلمين لم يشيروا إلى أي علاقة بين الليبيين والبربر، وإنما قسموا قبائل البربر لأصناف فاعتبروا هوارة وزناتة وصنهاجة من العرب اليمنيين، يقول إبن أبي زرع: "هؤولاء قبائل زناتة وكلهم عرب الأصل من ولد بر بن قيس بن عيلان". [61]
ويقول عبد الواحد المراكشي (القرن 13م) معاصر حقبة الدولة الموحدية الزناتية في كتابه، "المعجب في تلخيص أخبار المغرب"، أن عبد المؤمن بن علي خليفة الموحدين كان يقول خطبته:
"إذا ذكر كومة (كومي) لست منهم وإنما نحن لقيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ولكمية علينا حق الولادة بينهم والمنشأ فيهم وهم الأخوال وهكذا أدركت من أدركت من أولاده ". [62]
وهذا يؤكد حتى الرحالة الشهير إبن بطوطة اللواتي الصنهاجي، فيقول في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، ص 185: " صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير". [63] وبالتالي فالقول الأول بوجود العرب في بلاد المغرب قبل الإسلام يجد حججا دامغة يستحيل التنكر لها منطقيا، لاسيما أن المؤرخين الأوائل أمثال هيروديت وسترابو وغيرهم أكدوا تعدد الشعوب في شمال إفريقيا وتفرق القبائل، ولا يجد العلم أي دليل على وجود علاقة عرقية أو لغوية بين الليبيين القدماء والأمازيغ الحاليين، وإنما يبقى نسبهم إلى الليبيين القدامى مجرد نظرية لا أكثر. وهذا ما يوضحه الدكتور إيميليو غونزاليس فيرين، في كتابه "عندما كنا عربا "، بقوله إن:
"العرب الفاتحيين قاموا بتحرير إخوانهم الكنعانيين واليمنيين من الإحتلال البيزنطي" [64]
ويستبعد فكرة التعريب موضحا بمثال حي مفاده:
"سوريا خضعت 300 عام لإحتلال يوناني هيليني سلوقي و600 عام لإحتلال روماني ورغم ذالك فإن اللغة الإغريقية والرومانية بقيت لغة النخبة فقط ولم تتغلغل في الأوساط الشعبية عكس شمال إفريقيا والأندلس مع اللغة العربية"، وإن كان التعريب متبوعا بالإسلام لماذا لم تعرب بلاد فارس أو بلاد الترك وغيرهم كثير من المناطق الإسلامية؟ [64]
"" هذه المقالة منقولة بطلب من كاتبها الأصلي, و ذلك لحمايتها من التغيير و التزوير, يمكنك تحميل المقالة الأصلية من هنا ""
مراجع:
{{استشهاد ويب}}
: الوسيط |first=
يفتقد |last=
(مساعدة)
0 تعليقات